تفسير سورة: الأعلى

تفسير سورة: الأعلى

 

1- {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}

عظم ربك الأعلى ونزهه، لا ربّ أعلى منه وأعظم، نزه عما يقول فيه المشركون.

نزه يا «محمد» اسم ربك الأعلى، أن تسمي به شيئًا سواه، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات وبعضها العزّى.

نزه تسميتك يا «محمد» ربك الأعلى وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت له خاشع متذلل.

صلّ وأنت له ذاكر، ومنه وجل خائف.

يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحًا، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم.

قُلْ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى.

2- {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}

أَيْ خَلَقَ الْخَلِيقَةَ وَسَوَّى كل مخلوق في أحسن الهيئات.

الذي خلق الأشياء فسوىّ خلقها، وعدّلها. والتسوية: التعديل، والإتقان.

خَلَقَ كُلَّ ذِي رُوحٍ، فَسَوَّى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ.

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُسْتَوِيًا، وَمَعْنَى «سَوَّى»: عَدَلَ قَامَتَهُ.

3- {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}

هَدَى الْإِنْسَانَ لِلشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا.

والذي قدّر خلقه فهدى.

قال بعضهم: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ، والبهائم للمراتع.

وقال آخرون: هدى الذكور لمأتى الإناث.

وَالَّذِي قَدَّرَ تقديرًا، تتبعه جميع المقدرات، فَهَدَى إلى ذلك جميع المخلوقات.

قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ وَهَدَى لِاكْتِسَابِ الْأَرْزَاقِ وَالْمَعَاشِ.

خَلَقَ الْمَنَافِعَ فِي الْأَشْيَاءِ، وَهَدَى الْإِنْسَانَ لِوَجْهِ اسْتِخْرَاجِهَا مِنْهَا.

قَدَّرَ مُدَّةَ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ هَدَاهُ لِلْخُرُوجِ مِنَ الرَّحِمِ.

قَدَّرَ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَسَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ سُلُوكَ سَبِيلِ مَا قَدَّرَ عَلَيْهِ.

وقد ثبت في صحيح مسلم: «إِنَّ اللَّهَ قدَّر مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء».

4- {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى}

والذي أخرج من الأرض جَمِيعِ صُنُوفِ النَّبَاتَاتِ وَالزُّرُوعِ وأنواع الحشيش، والتي هي مرعى الأنعام.

أي: أنزل من السماء ماء فأنبت به أنواع النبات والعشب الكثير، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان.

5- {فَجَعَلَهُ غثاءً أَحْوَى}

  • (فَجَعَلَهُ): أي جعل النبات بعد الخضرة (المرعى).
  • (غُثَاءً): جافًا هشيمًا بَالِيًا، كَالْغُثَاءِ الَّذِي تَرَاهُ فَوْقَ السَّيْلِ.
  • (أَحْوَى): مُتَغَيرًا، يابسًا، أسودًا؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَأَ إِذَا جَفَّ وَيَبِسَ اسْوَدَّ، تذهب به الرياح والسيول.

6- {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}

سَنُعَلِّمُكَ يَا مُحَمَّدُ بِقِرَاءَةِ جِبْرِيلَ فَلَا تَنْسَى.

سَنُقْرِئُكَ يَا «مُحَمَّدُ» فَلَا تَنْسَى وَهَذَا إخبار من الله تعالى وَوَعْدٌ مِنْهُ لَهُ، وبشارة كبيرة بِأَنَّهُ سَيُقْرِئُهُ قِرَاءَةً لَا يَنْسَاهَا.

وقال آخرون: معنى النسيان في هذا الموضع: الترك؛ وقالوا: سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به، مما ننسخه.

7- {إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى }

  • (إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ)

فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه، مما اقتضت حكمته لمصلحة بالغة.

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمْ يَفْرُغْ مِنْ آخِرِ الْآيَةِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَوَّلِهَا، مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: «سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى» فَلَمْ يَنْسَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا.

  • (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى):

أَيْ يَعْلَمُ مَا يَجْهَرُ بِهِ الْعِبَادُ، وَمَا يُخْفُونَهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.

  • (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر)َ: إن الله يعلم الجهر يا «محمد» من عملك ما أظهرته وأعلنته.

(وَمَا يَخْفَى): وما يخفى منه فلم تظهره مما كتمته، يقول: هو يعلم جميع أعمالك سرّها وعلانيتها؛ يقول: فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به.

8- {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى}

ونسهلك يا «محمد» لعمل الخير ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً، لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ وَلَا حَرَجَ وَلَا عُسْرَ، وهو اليُسرَى، واليُسرَى: هو الفُعلى من اليسر.

وَقِيلَ: نُوَفِّقُكَ لِلشَّرِيعَةِ الْيُسْرَى وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ.

وهذه أيضًا بشارة كبيرة، أن الله ييسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسرًا.

وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِمَّا تَقْرَؤُهُ عَلَى جِبْرِيلَ إِذَا فَرَغَ مِنَ التِّلَاوَةِ، «وَمَا يَخْفَى» مَا تَقْرَأُ فِي نَفْسِكَ مَخَافَةَ النِّسْيَانِ، ثُمَّ وَعَدَهُ فَقَالَ: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} أَيْ نُهَوِّنُ عَلَيْكَ الْوَحْيَ حَتَّى تَحْفَظَهُ وَتَعْلَمَهُ.

9- {فذكِّر إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}

أَيْ ذَكِّرْ حَيْثُ تنفع التذكرة، ومن ههنا يُؤْخَذُ الْأَدَبُ فِي نَشْرِ الْعِلْمِ فَلَا يَضَعُهُ عند غير أهله، كما قال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ فتنة لبعضهم. وقال: حدثوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ ورسوله؟

(فَذَكِّرْ): أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس، ثم قال: إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم.

(فَذَكِّرْ): بشرع الله وآياته (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) أي: ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواءً حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه. ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين: منتفعون وغير منتفعين.

(فَذَكِّرْ)عِظْ بِالْقُرْآنِ (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) الْمَوْعِظَةُ وَالتَّذْكِيرُ. وَالْمَعْنَى: نَفَعَتْ أَوْ لَمْ تَنْفَعْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ، كَقَوْلِهِ: «سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ» وَأَرَادَ: الْحَرَّ وَالْبَرْدَ جَمِيعًا.

10- {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى}

  • (سَيَذَّكَّرُ): يَتَّعِظُ.
  • (مَنْ يَخْشَى): يخاف اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.

أَيْ سَيَتَّعِظُ بِمَا تُبَلِّغُهُ يَا «مُحَمَّدُ» مَنْ قَلْبُهُ يَخْشَى اللَّهَ ويخاف عقابه وَيَعْلَمُ أَنَّهُ مُلَاقِيهِ. فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات.

11- {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى}

  • (وَيَتَجَنَّبُهَا):

ويتجنَّب الذكرى، وَيَتَبَاعَدُ عَنْهَا.

  • (الأشْقَى):

أشقى الفريقين.

الشَّقِيُّ فِي عِلْمِ اللَّهِ.

12- {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى}

الذي يَرِد نار جهنم، وهي النار.

الْعَظِيمَةَ وَالْفَظِيعَةَ، لِأَنَّهَا أَعْظَمُ وَأَشَدُّ حَرًّا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا.

وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة.

13- {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا ولا يحيى}

أي لا يموت فيستريح، ولا يحيى حَيَاةً تَنْفَعُهُ بَلْ هِيَ مُضِرَّةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ بِسَبَبِهَا يَشْعُرُ مَا يُعَاقَبُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ العذاب وأنواع النكال، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فيها ولا يحيون ولكن أناس تُصِيبُهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ – أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ – فَيُمِيتُهُمْ إماتة حتى إذا ما صَارُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نبات الحبة في حميل السيل».

  ثم لا يموت في النار الكبرى ولا يحيا، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا. وقيل: لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه.

وقال آخرون: قيل ذلك؛ لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة، قالوا: لا هو حيّ، ولا هو ميت، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم. وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ من عذابها}.

أي: يًعذب عذابًا أليمًا، من غير راحة ولا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم.

14- {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}

  • (قَدْ أَفْلَحَ): قد فاز.
  • (مَنْ تَزَكَّى):

من تَطَهَّرَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وطَهَّرَ نَفْسَهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ، واتبع ما أنزل الله على الرسول صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.

مَنْ كَانَ عَمَلُهُ زَاكِيًا.

وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ.

يعمل وَرِعًا.

استطاع أن يرضَخَ فليفعل، ثم ليقم فليصلّ.

من رَضَخَ.

تزكى من ماله، وأرضى خالقه.

ï قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق.

15- {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}

  • (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ):

ذكر الله، فوحَّده سبحانه وتعالى، ودعاه ورغب إليه؛ لأن كلّ ذلك من ذكر الله، ولم يُخصص الله تعالى من ذكره نوعًا دون نوع.

– تَصَدَّقَ.

  • (فَصَلَّى):

فصلى الصلوات الخمس فِي أَوْقَاتِهَا، واهتم بها وحافظ عليها؛ ابْتِغَاءَ رضوان الله وامتثالاً لشرع الله.

وقال آخرون: صلاة العيد يوم الفطر.

وقال آخرون: الصلاة هاهنا: الدعاء.

16- {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}

  • (تُؤْثِرُونَ): تفضلون، أو تقدمون.

أَيْ تُقَدِّمُونَ أيها الناس زينة الحياة الدنيا عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ، وتختارون نعيمها المُنَغص المُكدر الزائِل على الآخرة.

17- {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}

  • (وَالآخِرَةُ خَيْرٌ): في الخير.
  • (وَأَبْقَى): في البقاء.

أَيْ ثَوَابُ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَأَبْقَى، فَإِنَّ الدنيا دانية فَانِيَةٌ، وَالْآخِرَةَ شَرِيفَةٌ بَاقِيَةٌ، فَكَيْفَ يُؤْثِرُ عَاقِلٌ مَا يَفْنَى عَلَى مَا يَبْقَى، وَيَهْتَمُّ بِمَا يَزُولُ عَنْهُ قَرِيبًا وَيَتْرُكُ الِاهْتِمَامَ بِدَارِ الْبَقَاءِ والخلد؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لا عقل له».

قَالَ عَرْفَجَةُ الْأَشْجَعِيُّ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ لَنَا: أَتَدْرُونَ لِمَ آثَرْنَا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: «لِأَنَّ الدُّنْيَا أُحْضِرَتْ، وَعُجِّلَ لَنَا طَعَامُهَا وَشَرَابُهَا وَنِسَاؤُهَا وَلَذَّاتُهَا وَبَهْجَتُهَا، وَأَنَّ الْآخِرَةَ نُعِتَتْ لَنَا، وَزُوِيَتْ عَنَّا فَأَحْبَبْنَا الْعَاجِلَ وَتَرَكْنَا الْآجِلَ».

وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة.

18- {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى}

  • (إِنَّ هَذَا):
    إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.

إن المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، والأخبار المستحسنة.

  • (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى):
    – معنى ذلك: إن هذا الذي قصّ الله تعالى في هذه السورة (لَفِي الصُّحُفِ الأولَى): أَيْ فِي الْكُتُبِ الْأُولَى الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ، ذَكَرَ فِيهَا فَلَاحَ الْمُتَزَكِّي وَالْمُصَلِّي، وَإِيثَارَ الْخَلْقِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

19- {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}

هَذِهِ السُّورَةُ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ خليل الرحمن وَمُوسَى بن عمران.

نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستّ ليال خلون من رمضان، وأنزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *