تفسير سورة: البروج
1- {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}
• (وَالسَّمَاءِ): يقسم تعالى بالسماء.
• (الْبُرُوجِ): وهي النجوم العظام.
– قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ.
– هي الكواكب.
– ذات الرمل والماء.
– الْخَلْقُ الْحَسَنُ.
– مَنَازِلُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ بُرْجًا تَسِيرُ الشَّمْسُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَهْرًا، ويسير القمر في كل واحد منها يَوْمَيْنِ وَثُلْثًا، فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً وَيَسْتَسِرُّ ليلتين.
ï وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ: أي ذات المنازل المشتملة على منازل الشمس، والقمر، والكواكب المنتظمة في سيرها، على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته، وسعة علمه وحكمته.
2- {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ}
– هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه، ويضم فيه أولهم وآخرهم، وقاصيهم ودانيهم، الذي لا يمكن أن يتغير، ولا يخلف الله الميعاد.
3- {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}
• (وَشَاهِدٍ): هو يوم الجمعة.
• (وَمَشْهُودٍ): هو يوم عرفة.
– قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ سَيِّدَ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عرفة».
– وقال آخرون: الشاهد: «مُحَمَّدٌ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمشهود: يوم القيامة
قال تعالى: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا».
وقال تعالى: «وذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ».
– الشاهد: ابن آدم، والمشهود يوم القيامة.
– وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: الشَّاهِدُ اللَّهُ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
– الشَّاهِدُ يَوْمُ عرفة، والمشهود يوم القيامة.
– – وَقَالَ آخَرُونَ: (الْمَشْهُودُ): يَوْمُ الجمعة. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «أكثروا مِنَ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تشهده الملائكة». وقال آخرون: الشاهد: يوم الأضحى، والمشهود، يوم عَرَفة
– الشَّاهِدُ اللَّهُ، (وكفى بالله شَهِيداً) وَالْمَشْهُودُ نَحْنُ.
– الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ النَّحْرِ.
– قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، أَوْ يَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ شَرٍّ إِلَّا أَعَاذَهُ مِنْهُ».
– قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: «الشَّاهِدُ» يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، «وَالْمَشْهُودُ» يَوْمُ عَرَفَةَ.
ï وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ.
4- {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُود}
• (قُتِلَ): لُعِنَ.
• (الأُخْدُود): الشَّقُّ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ كَالنَّهْرِ، وَجَمْعُهُ: أَخَادِيدُ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِمْ.
– شقوق في الأرض بنَجْرَان كانوا يعذّبون فيها الناس.
– (أَصْحَابُ الأُخْدُود): يعني القاتلين الذين قتلوهم يوم قتلوا.
– وَهَذَا خَبَرٌ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْكُفَّارِ عَمَدُوا إِلَى مَنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ عزَّ وجلَّ فَقَهَرُوهُمْ، وَأَرَادُوهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أُخدوداً، وَأَجَّجُوا فِيهِ نَارًا، وَأَعَدُّوا لَهَا وَقُودًا يُسَعِّرُونَهَا بِهِ، ثُمَّ أَرَادُوهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا منهم، فقذفوهم فيها.
– حُدِّثنا أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: هم ناس بمذارع اليمن، اقتتل مؤمنوها وكفارها، فظهر مؤمنوها على كفارها، ثم اقتتلوا الثانية، فظهر مؤمنوها على كفارها ثم أخذ بعضهم على بعض عهدًا ومواثيق أن لا يغدر بعضهم ببعض، فغدر بهم الكفار فأخذوهم أخذًا، ثم إن رجلا من المؤمنين قال لهم: هل لكم إلى خير، توقدون نارًا ثم تعرضوننا عليها، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون، ومن لا اقتحم النار، فاسترحتم منه، قال: فأجَّجوا نارًا وعُرِضوا عليها، فجعلوا يقتحمونها صناديدهم، ثم بقيت منهم عجوز كأنها نكصت، فقال لها طفل في حجرها: يا أماه امضي ولا تنافقي. قصّ الله عليكم نبأهم وحديثهم.
– قوم كانوا أهل كتاب من بقايا المجوس.
– كان أصحاب الأخدود قومًا مؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة، وإن جبارًا من عَبَدَة الأوثان أرسل إليهم، فعرض عليهم الدخول في دينه، فأبوا، فخدّ أخدودًا، وأوقد فيه نارًا، ثم خيرهم بين الدخول في دينه، وبين إلقائهم في النار، فاختاروا إلقاءهم في النار، على الرجوع عن دينهم، فألقوا في النار، فنجَّى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق، بأن قبض أرواحهم قبل أن تمسهم النار، وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم.
– كان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين، ولديهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشق الكافرون أخدودًا في الأرض، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم.
– عن علي أَنَّ أَهْلُ فَارِسٍ، حِينَ أَرَادَ مَلِكُهُمْ تَحْلِيلَ تَزْوِيجِ الْمَحَارِمِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ، فَعَمَدَ إِلَى حَفْرِ أُخدود فَقَذَفَ فِيهِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَاسْتَمَرَّ فِيهِمْ تَحْلِيلُ الْمَحَارِمِ إِلَى الْيَوْمِ.
– وعن ابن عباس قَالَ: نَاسٌ مَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدُّوا أُخدوداً فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ أَوْقَدُوا فِيهِ نَارًا، ثُمَّ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ الْأُخْدُودِ رِجَالًا وَنِسَاءً، فَعُرِضُوا عليها، وزعموا أنه دانيال وأصحابه.
5- {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}
• (ذَاتِ الْوَقُودِ): ذات الحطب الجزل.
6- {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ}
– أَيْ: عِنْدَ النَّارِ جُلُوسٌ لِتَعْذِيبِ الْمُؤْمِنِينَ.
– قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا قُعُودًا عَلَى الْكَرَاسِيِّ عِنْدَ الْأُخْدُودِ.
7- {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ}
• (وَهُمْ): الكفار: َعْنِي الْمَلِكَ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ خَدُّوا الْأُخْدُودَ.
• (عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ): مِنْ عَرْضِهِمْ عَلَى النَّارِ وَإِرَادَتِهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ.
• (شُهُودٌ): حُضُورٌ.
– أَيْ مُشَاهِدُونَ لِمَا يُفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ.
– وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي يَشْهَدُونَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي ضَلَالٍ حِينَ تَرَكُوا عِبَادَةَ الصَّنَمِ.
ï وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها.
8- {وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَاّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
• (وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَاّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ): أي وما كان لهم ذَنْبٌ إِلَّا إِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ.
– وما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يُمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد.
– وما وجد هؤلاء الكفار الذين فتنوا المؤمنين على المؤمنين والمؤمنات بالنار في شيء، ولا فعلوا بهم ما فعلوا بسبب، إلا من أجل أنهم آمنوا بالله.
– قَالَ الزَّجَّاجُ: مَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِمْ ذَنْبًا إِلَّا إِيمَانَهُمْ بِاللَّه.
• (الْعَزِيزِ): الَّذِي لَا يضام من لاذ بجنابه.
– الذي له العزة التي قهر بها كل شيء.
– الشديد في انتقامه ممن انتقم منه.
• (الْحَمِيدِ): فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأوْصَافِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ.
– المحمود بإحسانه إلى خلقه.
9- {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
• (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ): الذي له سلطان السموات السبع والأرضين وما فيهنّ.
– خلقًا وعبيدًا، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه.
– مِنْ تَمَامِ الصِّفَةِ أَنَّهُ الْمَالِكُ لِجَمِيعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا.
• (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ): والله على فِعْل هؤلاء الكفار من أصحاب الأخدود بالمؤمنين الذين فتنوهم شاهد، وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع خلقه، وهو مجازيهم جزاءهم.
– الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء مِنْ أَفْعَالِهِمْ شَهِيدٌ.
– علمًا وسمعًا وبصرًا، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله، أن يبطش بهم العزيز المقتدر، أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم، مجاز لهم على افعالهم؟ كلا إن الكافر في غرور، والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل.
– أَيْ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
10- {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}
• (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ): إِنَّ الَّذِينَ عَذَّبُوا وَأَحْرَقُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وهم الكفار.
– إن الذين ابْتَلَوُا المؤمنين والمؤمنات بالله بتعذيبهم، وإحراقهم بالنار.
• (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) ثم لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم الذي فعلوه بالمؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم بالله.
– أيْ لَمْ يُقْلِعُوا عَمَّا فَعَلُوا وَيَنْدَمُوا عَلَى مَا أَسْلَفُوا.
• (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ): وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ الَّتِي أَحْرَقُوا بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، وارْتَفَعَتْ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأُخْدُودِ.
– فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ في الآخرة وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ في الدنيا.
• (الْحَرِيقِ): أي العذاب الشديد المحرق.
11- {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم جَنَّاتُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}
• (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ):
• (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا): بقلوبهم.
– إن الذين أقرّوا بتوحيد الله، وهم هؤلاء القوم الذين حرّقهم أصحاب الأخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد.
• (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) بجوارحهم.
– وعملوا بطاعة الله، وأْتَمروا لأمره، وانتهَوْا عما نهاهم عنه.
• (لَهُم جَنَّاتُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ):
– لهم في الآخرة عند الله بساتين تجري من تحتها الأنهار، والخمر، واللبن، والعسل، بِخِلَافِ مَا أُعِدَّ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْحَرِيقِ وَالْجَحِيمِ.
• (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ): الذي حصل به الفوز برضا الله ودار كرامته.
– هذا الذي هو لهؤلاء المؤمنين في الآخرة، هو الظفر الكبير بما طلبوا والتمسوا بإيمانهم بالله في الدنيا، وعملهم بما أمرهم الله به فيها ورضيه منهم.
12- {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}
– قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَخْذَهُ بِالْعَذَابِ إِذَا أَخَذَ الظَّلَمَةَ لَشَدِيدٌ، كَقَوْلِهِ: «إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ».
– إن بطش ربك يا محمد لمن بطش به من خلقه، وهو انتقامه ممن انتقم منه لشديد، وهو تحذير من الله لقوم رسوله «محمد» صلى الله عليه وسلم، أن يُحلّ بهم من عذابه ونقمته، نظير الذي حلّ بأصحاب الأخدود على كفرهم به، وتكذيبهم رسوله، وفتنتهم المؤمنين والمؤمنات منهم.
– أي: إن عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام القوية شديدة، وهو بالمرصاد للظالمين كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
– أَيْ إِنَّ بَطْشَهُ وَانْتِقَامَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، لَشَدِيدٌ عَظِيمٌ قَوِيٌّ، فَإِنَّهُ تَعَالَى ذُو القوة المتين.
13- {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}
• (يُبْدِئُ وَيُعِيدُ): يُبْدِئُ الخلق حين خلقه، ويعيده يوم القيامة.
– يُبْدِئُ العذاب ويعيده.
– عن ابن عباس أنه يُبْدِئُ العذاب لأهل الكفر به ويعيد، كما قال جلّ ثناؤه: (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) في الدنيا، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا، وهو يُعيده لهم في الآخرة.
– أَيْ مِنْ قُوَّتِهِ وقدرته التامة، يبدئ ويعيده، كَمَا بَدَأَهُ بِلَا مُمَانِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ.
– إن الله أبدى خلقه، فهو يبتدئ، بمعنى: يُحدث خلقه ابتداءً، ثم يميتهم، ثم يعيدهم أحياءً بعد مماتهم، كهيئتهم قبل مماتهم.
– أَيْ يَخْلُقُهُمْ أَوَّلًا فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يُعِيدُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ.
– أي: هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته، فلا مشارك له في ذلك.
14- {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}
• (الْغَفُورُ): الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب، ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب.
– الْغَفُورُ لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.
– أَيْ يَغْفِرُ ذَنْبَ مَنْ تَابَ إليه وخضع لديه.
• (الْوَدُودُ): الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال، والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب، ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعًا لها، كانت عذابًا على أهلها، وهو تعالى الودود، الواد لأحبابه.
– الْمُحِبُّ لَلمؤمنين.
– هُوَ الْحَبِيبُ
– وَقِيلَ: الْمُتَوَدِّدُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ بِالْمَغْفِرَةِ.
ï وَقِيلَ: يَغْفِرُ وَيَوَدُّ أَنْ يَغْفِرَ.
ï وهو ذو المغفرة لمن تاب إليه من ذنوبه، وذو المحبة له.
15- {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}
• (ذُو الْعَرْشِ): أَيْ صَاحِبُ الْعَرْشِ العظيم الْعَالِي عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ.
– صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات والأرض. والكرسي، فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، وخص الله العرش بالذكر، لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى.
– السَّرِيرِ الْعَظِيمِ.
• (الْمَجِيدُ): فِيهِ قِرَاءَتَانِ: الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلرَّبِّ عزَّ وجلَّ، وَالْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَرْشِ، وَكِلَاهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ.
– نعتا للعرش، وأما على قراءة الرفع، فإن المجيد نعت لله ، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها.
16- {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}
– مهما أراد شيئًا فعله، إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، وليس أحد فعالا لما يريد إلا الله. فإن المخلوقات، ولو أرادت شيئًا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون وممانع، والله لا معاون لإرادته، ولا ممانع له مما أراد.
– لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ.
– هو غفار لذنوب من شاء من عباده إذا تاب وأناب منها، معاقب من أصرّ عليها وأقام، لا يمنعه مانع، مِنْ فِعْل أراد أن يفعله، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل، لأن له مُلك السماوات والأرض، وهو العزيز الحكيم.
– أَيْ مَهْمَا أَرَادَ فِعْلَهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لعظمته وقهره وَعَدْلِهِ.
17- {هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ}
– يقول تعالى ذكره لنبيه «محمد» صلى الله عليه وسلم: هل جاءك يا محمد حديث الجنود الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكرههم؛ يقول: قد أتاك ذلك وعلمته، فاصبر لأذى قومك إياك لما نالوك به من مكروه، كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي، ولا يثنيك عن تبليغهم رسالتي، كما لم يُثْن الذين أرسلوا إلى هؤلاء، فإن عاقبة من لم يصدقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك، كالذي كان من هؤلاء الجنود.
– أَيْ هَلْ بَلَغَكَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ الْبَأْسِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّقْمَةِ الَّتِي لَمْ يردها عنهم أحد؟
– قَدْ أَتَاكَ خَبَرُ الْجُمُوعِ الْكَافِرَةِ الَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ.
– وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكي.
18- {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}
• (فرعون) فاجتزى بذكره، إذ كان رئيس جنده من ذكر جنده وأتباعه.
– هل أتاك حديث الجنود، فرعون وقومه وثمود أصحاب صالح عليه السلام،
ï هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين.
19- {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ}
– أي: لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد، لا تنفع فيهم الآيات، ولا تجدي لديهم العظات.
– أَيْ هُمْ فِي شَكٍّ وَرَيْبٍ وَكُفْرٍ وَعِنَادٍ.
– ولكنهم في تكذيبهم بوحي الله وتنزيله، إيثارًا منهم لأهوائهم، واتِّباعًا منهم لسنن آبائهم.
20- {وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُحِيطٌ}
– أَيْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِمْ قَاهِرٌ لَا يَفُوتُونَهُ وَلَا يُعْجِزُونَهُ.
– محيط بأعمالهم مُحْصٍ لها، لا يخفى عليه منها شيءٌ، وهو مجازيهم على جميعها.
– قد أحاط بهم علمًا وقدرة.
– عَالِمٌ بِهِمْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، يَقْدِرُ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مَا أَنْزَلَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ.
21- {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}
– (مَجِيدٌ): كَرِيمٌ شَرِيفٌ كَثِيرُ الْخَيْرِ، لَيْسَ كَمَا زَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ شِعْرٌ وَكِهَانَةٌ.
– وسيع المعاني عظيمها، كثير الخير والعلم.
– يقول – تكذيبا منه جلّ ثناؤه للقائلين للقرآن هو شعر وسجع: ما ذلك كذلك، بل هو قرآن كريم.
– أَيْ عَظِيمٌ كَرِيمٌ.
22- {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}
– أَيْ هُوَ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى محفوظ َمِنَ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ والتحريف، والتبديل، والتغيير. ومَحْفُوظٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ
– وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ عِنْدَ اللَّهِ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، يُنَزِّلُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ.
– وهو: اللوح المحفوظ الذي قد أثبت الله فيه كل شي.
– وَاللَّوْحُ لَوْحٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، طُولُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَعَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَحَافَّتَاهُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ، وَدَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، وَقَلَمُهُ نُورٌ، وَكَلَامُهُ مَعْقُودٌ بِالْعَرْشِ، وَأَصْلُهُ فِي حِجْرِ مَلَكٍ.
– قَالَ مُقَاتِلٌ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْش